روائع مختارة | بنك الاستشارات | استشارات تربوية واجتماعية | دسوا لأبنائنا العسل في العسل.. نداء إلى كل المعلمين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > بنك الاستشارات > استشارات تربوية واجتماعية > دسوا لأبنائنا العسل في العسل.. نداء إلى كل المعلمين


  دسوا لأبنائنا العسل في العسل.. نداء إلى كل المعلمين
     عدد مرات المشاهدة: 2314        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وأكمل صلاة وأكرم تسليم على المعلم الأول محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
 
أسعد الله أوقاتنا وأوقاتكم بكل خير، ونفعنا وإياكم بالإسلام، ونفع الإسلام بنا أجمعين.
 
 أحبتي المعلمين جهودكم المبذولة لا تقدر بثمن، ونفوسكم الأبية تحيي موات جيل هذه الأمة، وفهمكم الشامل هو النور الذي يشع على من حولكم فيضيء ظلام هذه الأرض الدامس، ألا حياكم الله جميعا وتقبل منا ومنكم طيب القول وصالح العمل.
 
أحبتي المعلمين:
 
•    منا من يكتفي بشرح المنهج المقرر، وإن ظهر له قصور المنهج عن زرع وغرس القيم والأخلاق الإسلامية.
•    منا من وقَّف نفسه عند حد التحضير اليومي لما يطلب منه، ولم يجتهد ويبدع ويترك في طلابه أثرا.
•    منا من يعمل بالتدريس وهو مجبر عليه،لا يجد فيه لذة ولا يراعي له استمتاعا لكن إن هي إلا أيام.
•    منا من ينظر للتدريس على أنه علم ينقل ومعارف تشرب، لا تربية تتوارث ولا قيم تختلط بالدم والعظم.
•    منا من ينظر للطلاب على أنهم أعداءه، يشكونه للمدير، ويتظلمون من شرحه ويرفعون الدعوات ضده فينتقم منهم بإهماله لهم.
•    منا من نسي أو تناسى العصور الزاهرة من مجد هذه الأمة، التي كان المعلم فيها نقي السريرة، قوي البرهان، عف اللسان.
•    منا من صار التدريس لديه روتينا يوميا لا يبدع فيه، ولا يبتكر! ولا يجدد لا في استخدام الوسائل ولا في الطرح الجديد للدرس.
•    منا من لم يهتم إلا بالمادة العلمية والتطبيقات العملية! ونسي أو تناسى ربط الدرس بواقع المجتمع، وربط قلوب الطلاب بوطنهم الأم؛ مما نتج عنه فجوة تربوية بين ما يتطلبه المجتمع وما تتطلبه الدراسة.
•    منا من لم يدرك قيمة الجواهر الثمينة التي بين يديه، والكنوز الغالية وهي عقول وقلوب الطلاب؛ لينقش فيها علوما ومعارف غير مقتنع بها، ونسي أن يزرع في نفوس وقلوب الأبناء بذور التربية الإيمانية القائمة على حب الله والخوف منه ومراقبته وحسن التوكل عليه، مما أفرز طلابا لا يوجد للدين مكان في حياتهم.
•    منا من لم يحسن التواصل الأخوي الكريم بينه وبين أولياء الأمور، اتصالا وثيقا قائما على بناء الطالب الفريد في علمه وفي خلقه، مما نتج عنه طالبا مشوها بعلم المدرسة وأخلاق المنزل.
•    منا من لم يفقه التسلسل الإداري فلم يهتم بوصايا الوكيل، ولا توجيهات المدير، ولا نصيحة زميل خبير، فأخذ كلمته من رأسه، وأفلق بابه دون العالم الخارجي؛ مما أفرز معلمين جعلوا المناخ الطلابي حقلا لتجاربهم العلمية.
 
من أجل هذا وغيره رأيت أحبتي المعلمين أن أذكركم بواقع تعليمي مشرف عاشه أسلافنا:
 
•    أول من وضع رأيه في تربية الأطفال كان الخليفة عمر بن الخطاب، وذلك في منشور عام أرسله إلى ساكني الولايات بعد الفتوحات، وفيه يقول: "علموا غلمانكم العوم، ومقاتلتكم الرمي "رواه أحمد وصححه الشيخ شاكر، وقد كانوا يهتمون بتعليم الأولاد القرآن الكريم واللغة العربية خاصة بعد انتشار الفتوحات، إذ لم تكن العربية قد انتشرت بعد، ولم يكن العرب إلا أقلية عسكرية وسط الشعوب المفتوحة، فلا بد من تعلم العربية خوفا من الذوبان في المحيط غير العربي. أو أن ينسي أبناؤهم ثقافتهم العربية وخشونتهم العسكرية.
 
•    يقول الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لمؤدب أولاده "علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم السفلة فإنهم أسوأ الناس رعة (ورعا) وأقلهم أدباً، وجنبهم الحشم فإنهم لهم مفسدة، وأحف شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم يقووا، وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا، ومرهم أن يستاكوا عرضا، ويمصوا الماء مصا ولا يعبوه عبا، وإن احتجت إلى أن تتناولهم بأدب فليكن ذلك في ستر، ولا يعلم به أحد من الحاشية فيهونوا عليه.
 
وشخصية عبد الملك ومعارفه تظهر في تلك الوصية لمؤدب أولاده، فالواضح أنه يعلَّم ذلك المؤدب أن يكون قدوة لأولاده، بأن يلتزم الصدق ليتعلموا منه الصدق؛ كما يتعلمون منه القرآن، كما أن عبد الملك يحرص على مكانة أطفاله باعتبارهم ملوك المستقبل، فيوصي بابتعادهم عن السفلة والعوام، وإذا احتاج المؤدب إلى عقابهم؛ فليكن ذلك بعيداً عن عيون الحاشية، ومن حرصه على استقامتهم لا يوصيه بتعليمهم الصدق فحسب، بل يأمره بأن يبتعد بهم عن الحاشية التي يقوى سلطانها مع إفساد الأمراء واعوجاجهم.
 
وعبد الملك بن مروان لا يقتصر في نصحه للمؤدب على نواحي التعليم والآداب والسلوك، بل يتناول النواحي الصحية والغذائية من وجهة نظره، فيأمره بقص شعورهم لتغلظ رقابهم، وإطعامهم اللحم لتقوى أجسادهم، وأن يستعملوا السواك بالعرض ويمصوا الماء مصاً ليتجشئوا ويهضموا الطعام. ولأنه عربي وهو أول خليفة قام بتعريب الدواوين؛ فإنه يحرص على تعليم أبنائه الشعر العربي أكبر مفخرة أدبية للعرب. والواضح أن المؤدب كان يقوم على رعاية الطفل من كل وجه.
 
•    قال الخليفة هشام بن عبد الملك لمؤدب ولده سليمان الكلبي:"إن ابني هذا هو جلدة ما بين عيني، وقد وليتك تأديبه، فعليك بتقوى الله، وأداء الأمانة، وأول ما أوصيك به أن تأخذه بكتاب الله، ثم روه من الشعر أحسنه، ثم تخلل به في أحياء العرب، فخذ من صالح شعرهم وبصره طرفاً من الحلال والحرام والخطب والمغازي".   
 
أي يعلمه القرآن والشعر وأنساب العرب، وشيئاً من الفقه والتاريخ أو غزوات النبي (صلى الله عليه وسلم). ولم يكن مصطلح السّنة والأحاديث معروفا وقتها. ثم شاعت فى العصر العباسي.
 
•    هذه الوصية من الرشيد إلى الأحمر معلم ولده الأمين الذي تولى الخلافة من بعده: (يا أحمر، إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه، فصير يدك عليه مبسوطة وطاعته لك واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن وعرفه الأخبار (التاريخ) وروّه الأشعار، وعلمه السنن (الحديث)، وبصره بمواقع الكلام بدئه، وأمنعه من الضحك إلا في أوقاته، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه، ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلى الفراغ ويألفه، وقوِّمه ما استطعت بالقرب والملاينة فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة.).
 
لقد جعل هارون الرشيد مؤدباً لكل ولد من أولاده، وفي وصيته، للأحمر مؤدب ولده الأمين نراه يكرر ما قاله السابقون من تعلم القرآن والشعر والتاريخ والأحكام الشرعية والفصاحة، ولكنه يضيف شيئاً من الآداب السياسية، مثل: احترام الأسرة الهاشمية، والقادة العباسيين مع نظرات عميقة في التربية، مثل: التوسط في المعاملة والتربية والتقويم.
 
والواضح أن أولئك ـ وقد كانوا يعدون أولادهم لمستقبل سياسي ـ فإن نظرتهم للطفل وتربيتهم كان من واقع تلك الخلفية السياسية، وبالتالي فإنها رؤية خاصة للطفل وتربيته ولا تنطبق على باقي الأطفال. ولذلك فإن الصورة العامة للطفولة وتربيتها تتجلى في آراء فلاسفة المسلمين ونظرياتهم.
 
وإلى لقاء آخر نتعرف على المزيد.

اسم الكاتب: محمود أبو زهرة

مصدر المقال: موقع لها أونلاين